يشقّ طرح لبنان دائرة إنتخابية واحدة طريقه بين القوى السياسية، في مسعى جدّي، وطني، ويلاقي تعاطياً إيجابياً معه، من دون إغفال إمكانية التعديلات التي قد تطرأ على طرح كتلة "التنمية والتحرير" المنفتحة على أيّ نقاش عملي، في ظلّ وجود إقتراحات عدّة تقوم على أساس جعل "التفضيلي" أكثر من صوت واحد. لا يزال الوقت مبكراً لحسم تفاصيله، خصوصاً أن اللبنانيين إعتادوا على إستيلاد قانون الساعة الأخيرة قبل موعد الإنتخابات، لكن جوهر طرح "التنمية والتحرير" حرّك القوى السياسية لرسم سيناريوهات التحالفات الممكنة على مساحة لبنان.
لم يعد مُمكناً تجاهل البُعد الوطني في طرح الدائرة الموسّعة أو الواحدة، مما يفرض خطاباً وطنياً لا ينحصر بمنطقة ولا بطائفة محدّدة، بعدما فرض القانون الحالي الذي تمّ إعتماده في إنتخابات السنة الماضية خطابات سياسيّة فئويّة، وعمّق المذهبيات والطائفية. أول غيث الطروحات الجدّية الجديدة تنطلق من اللقاءات التي تشبه المصالحات أحياناً، وهي ستتوسع إلى حدّها الأقصى. لا يمكن إستبعاد التقارب الحاصل مثلاً بين وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وبين النائب عبدالرحيم مراد ونجله الوزير حسن مراد، أو بين باسيل والنائب فيصل كرامي، أو إعادة الماء إلى مجاريها بين رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية والنائب السابق إميل رحمة، أو تعزيز التحالف بين فرنجية و رئيسة "الكتلة الشعبية" ميريام سكاف، أو بين باسيل ووليم طوق في بشرّي–لا يمكن إستبعاد كل تلك المؤشرات عن التحضير للمرحلة الانتخابية المقبلة.
تُدرك الشخصيات السياسية أن العمل في الشأن العام يزداد صعوبة من دون تحالفات عريضة ومتينة، وسيُصبح أكثر صعوبة من دون وجود أطر حزبية، لذلك سنشهد ولادة أحزاب جديدة برئاسة شخصيات تمثّل حالات مناطقية أو طائفية ما، ستقونن وجودها ونشاطها السياسي بالأطر الحزبية الكاملة. مما يعني أن المرحلة المقبلة ستكون مخصّصة لولادة أحزاب وتحالفات توسعيّة.
لكن مطّبات تقف في وجه تلك التحالفات. قد يكون الكلام النظري سهلاً عن وجود حلفين يقومان عملياً على انقاض 8 و 14 آذار. لكن الواقع يوحي بتفتيش القوى عن مصالحها في تحالفات سياسية هجينة أحياناً.
إذا كان رئيس التيار "الوطني الحر" هو الأسرع في خطواته التحالفيّة التوسعيّة بقاعاً وشمالاً، ويضع بنفس الوقت في الجيبة ورقة تحالفيّة مصلحيّة مع تيار "المستقبل"، فإنّ أهدافه تصل إلى حدود جمع الأصوات لإنتخابات يضمن فيها الوصول الى القصر الجمهوري بعد نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون، مقابل حركة خجولة عند خصمه وحليف حلفائه "سليمان بك". مما يوحي أنّ باسيل يريد أن يصيب هدفين، يكون فيه الهدف الأول: الانتخابات النيابية، في خدمة الهدف الثاني: إنتخابات رئاسة الجمهورية. وكأن وزير الخارجية الذي يستعد أن يوافق على قانون إنتخابي وفق الدائرة الواحدة يسعى إلى صياغة حلف وطني عريض يسحب فيه البساط من تحت فرنجيّة، ويتفرّغ لمنازلة خصم وحيد في انتخابات الرئاسة الأولى هو المرشح رئيس حزب "القوات" سمير جعجع.
لكن ما يعترض باسيل هو مكوّنات الحلف: لن تكون تلك الأسماء المذكورة وغيرها في الخط السياسي الاّ تحت لواء واحد، يجمع أغلبيّة أفرقاء 8 آذار ومن بينهم فرنجية بالذات. والاّ سيكون باسيل مضطراً إلى صياغة تحالف في وجه أولئك الذين يسعى لتمتين الحلف معهم.
في أيّ سيناريو من السيناريوهين المطروحين، لن تكون الأهداف السياسية المضمرة سهلة التحقيق، بل تنتظر مستجدّات الداخل والخارج معاً، لتحديد الحلف الآخر الذي سيشكّله جعجع: أين سيكون "المستقبل" و"التقدمي الإشتراكي"؟ هل يجمع جعجع قدامى 14 آذار حوله؟ وفي حال الجمع بقدرة داخليّة فائقة وقدرات خارجيّة راعية، ما هي الإمكانية لحصد الأكثريّة التي تضمن منافسة مرشح قدامى 8 آذار؟ هنا أيضاً سيجري التفتيش عن حلفاء على مستوى الدوائر الموسّعة أو الدائرة الواحدة.
لا يعني ذلك أن هناك لوائح أخرى ستتشكّل، وستخوض معارك انتخابيّة وسياسيّة حامية، خصوصاً أن الوضع الإقتصادي الصعب يستولد خطابات جديدة تحاكي هموم الناس قولاً وفعلاً، لأنّ حدود الخطابات المذهبيّة والطائفيّة والمناطقيّة ستتراجع في ظل قانون انتخابي بأبعاد وطنيّة. ولا يمكن أبداً إستثناء صدى ما يجري الآن في الإقليم حرباً أو سلماً.